الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وزعم الفرّاء أيضًا: أن بعض النحويين يجعل إلى بمعنى الواو أي ولا من ظلم؛ قال:
قال النحاس: وكون إِلاَّ بمعنى الواو لا وجه له ولا يجوز في شيء من الكلام، ومعنى {إلاَّ} خلاف الواو؛ لأنك إذا قلت: جاءني إخوتك إلا زيدًا أخرجت زيدًا مما دخل فيه الإخوة فلا نسبة بينهما ولا تقارب.وفي الآية قول آخر: وهو أن يكون الاستثناء متصلًا؛ والمعنى إلا من ظلم من المرسلين بإتيان الصغائر التي لا يسلم منها أحد، سوى ما روي عن يحيى بن زكريا عليه السلام، وما ذكره الله تعالى في نبينا عليه السلام في قوله: {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] ذكره المهدويّ واختاره النحاس؛ وقال: علِم الله من عصى منهم {يُسرّ الخيفة} فاستثناه فقال: {إَلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سواء} فإنه يخاف وإن كنت قد غفرت له.الضحاك: يعني آدم وداود عليهما السلام.الزمخشري: كالذي فرط من آدم ويونس وداود وسليمان وإخوة يوسف، ومن موسى عليه السلام بوكزه القبطي.فإن قال قائل: فما معنى الخوف بعد التوبة والمغفرة؟ قيل له: هذه سبيل العلماء بالله عز وجلّ أن يكونوا خائفين من معاصيهم وجلين، وهم أيضًا لا يأمنون أن يكون قد بقي من أشراط التوبة شيء لم يأتوا به، فهم يخافون من المطالبة به.وقال الحسن وابن جريج: قال الله لموسى إني أخفتك لقتلك النفس.قال الحسن: وكانت الأنبياء تذنب فتعاقَب.قال الثعلبي والقشيري والماوردي وغيرهم: فالاستثناء على هذا صحيح؛ أي إلا من ظلم نفسه من النبيين والمرسلين فيما فعل من صغيرة قبل النبوة.وكان موسى خاف من قتل القبطي وتاب منه.وقد قيل: إنهم بعد النبوة معصومون من الصغائر والكبائر.وقد مضى هذا في البقرة.قلت: والأوّل أصح لتنصلهم من ذلك في القيامة كما في حديث الشفاعة، وإذا أحدث المقرَّب حدثًا فهو وإن غفر له ذلك الحدث فأثر ذلك الحدث باق، وما دام الأثر والتهمة قائمة فالخوف كائن لا خوف العقوبة ولكن خوف العظمة، والمتهم عند السلطان يجد للتهمة حزازة تؤديه إلى أن يكدّر عليه صفاء الثقة.وموسى عليه السلام قد كان منه الحدث في ذلك الفرعوني، ثم استغفر وأقر بالظلم على نفسه، ثم غفر له، ثم قال بعد المغفرة: {رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 17] ثم ابتلي من الغد بالفرعوني الآخر وأراد أن يبطش به، فصار حدثًا آخر بهذه الإرادة.وإنما ابتلي من الغد لقوله: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} وتلك كلمة اقتدار من قوله لن أفعل، فعوقب بالإرادة حين أراد أن يبطش ولم يفعل، فسلط عليه الإسرائيلي حتى أفشى سره؛ لأن الإسرائيلي لما رآه تشمر للبطش ظن أنه يريده، فأفشى عليه ف {قَالَ يا موسى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بالأمس} [القصص: 19] فهرب الفرعوني وأخبر فرعون بما أفشى الإسرائيلي على موسى، وكان القتيل بالأمس مكتومًا أمره لا يدري من قتله، فلما علم فرعون بذلك، وجّه في طلب موسى ليقتله، واشتد الطلب وأخذوا مجامع الطرق؛ جاء رجل يسعى ف {قَالَ يا موسى إِنَّ الملأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} [القصص: 20] الآية.فخرج كما أخبر الله.فخوف موسى إنما كان من أجل هذا الحدث؛ فهو وإن قرّبه ربه وأكرمه واصطفاه بالكلام فالتهمة الباقية ولّت به ولم يعقِّب. اهـ.
وقال آخر: وقال عبد الله بن الزبير: و{من} المشهور أنها لمن يعلم، فقال ابن عباس، وابن جبير، والحسن وغيرهم: أراد تعالى بمن في النار ذاته، وعبر بعضهم بعبارات شنيعة مردودة بالنسبة إلى الله تعالى.وإذا ثبت ذلك عن ابن عباس ومن ذكر أول على حذف، أي بورك من قدرته وسلطانه في النار.وقيل لموسى عليه السلام: أي بورك من في المكان أو الجهة التي لاح له فيه النار.وقال السدّي: من للملائكة الموكلين بها.وقيل: من تقع هنا على ما لا يعقل.فقال ابن عباس: أراد النور.وقيل: الشجرة التي تتقد فيها النار.وقيل: والظاهر في {ومن حولها} أنه لمن يعلم تفسير {يا موسى}، وفسر بالملائكة، ويدل عليه قراءة أبي؛ فيما نقل أبو عمرو الداني: وابن عباس، ومجاهد، وعكرمة؛ ومن حولها من الملائكة، وتحمل هذه القراءة على التفسير، لأنها مخالفة لسواد المصحف المجمع عليه، وفسر أيضًا بموسى والملائكة عليهم السلام معًا.وقيل: تكون لما لا يعقل، وفسر بالأمكنة التي حول النار؛ وجدير أن يبارك من فيها ومن حواليها إذا حدث أمر عظيم، وهو تكليم الله لموسى عليه السلام؛ وتنبيئه وبدؤه بالنداء بالبركة تبشير لموسى وتأنيس له ومقدمة لمناجاته.والظاهر أن قوله: {وسبحان الله رب العالمين} داخل تحت قوله: {نودي}.أي لما نودي ببركة من ذكر، نودي أيضًا بما يدل على التنزيه والبراءة من صفات المحدثين مما عسى أن يخطر ببال، ولاسيما إن حمل من في النار على تفسير ابن عباس أن من أريد به الله تعالى، فإن ذلك دال على التحيز، فأتى بما يقتضي التنزيه.وقال السدّي: هو من كلام موسى، لما سمع النداء قال: {وسبحان الله رب العالمين} تنزيهًا لله تعالى عن سمات المحدثين.قال ابن شجرة: هو من كلام الله، ومعناه: وبورك من سبح الله، وهذا بعيد من دلالة اللفظ.وقيل: {وسبحان الله رب العالمين} خطاب لمحمد عليه لصلاة والسلام، وهو اعتراض بين الكلامين، والمقصود به التنزيه.ولما آنسه تعالى، ناداه وأقبل عليه فقال: {يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم}.والظاهر أن الضمير في إنه ضمير الشأن، وأنا الله: جملة في موضع الخبر، والعزيز الحكيم: صفتان، وأجاز الزمخشري أن يكون الضمير في إنه راجعًا إلى ما دل عليه ما قبله، يعني: إن مكلمك أنا، والله بيان لأنا، والعزيز الحكيم صفتان للبيان. انتهى.وإذا حذف الفاعل وبني الفعل للمفعول، فلا يجوز أن يعود على الضمير على ذلك المحذوف، إذ قد غير الفعل عن بنائه له، وعزم على أن لا يكون محدثًا عنه.فعود الضمير إليه مما ينافي ذلك، إذ يصير مقصودًا معتنى به، وهذا النداء والإقبال والمخاطبة تمهيد لما أراد الله تعالى أن يظهره على يده من المعجز، أي أنا القوي القادر على ما يبعد في الأوهام، الفاعل ما أفعله بالحكمة.وقال الزمخشري: فإن قلت: علام عطف قوله: {وألق عصاك}؟ قلت: على بورك، لأن المعنى: {نودي أن بورك من في النار}.
|